أعلنت المتحدثة الرسمية باسم مادونا أنها غيّرت اسمها الكاثوليكي إلى اسم يهودي هو "إستير". و"إستير" هي إحدى بطلات العهد القديم، نشأت في شوشن (العاصمة الفارسية)، ودخلت البلاط الفارسي دون أن يعرف أحد هويتها، وأصبحت خليلة مقربة من الملك بعد أن طلَّق زوجته الملكة "وشتي" التي رفضت أن يُعرَض جمالها على الملأ... وهكذا تعود المقولة الإدراكية الجنسية! ويتحدث سفر "إستير" عن مؤامرة حاكها هامان وزير الملك أحشويروش ملك الفرس (زركسيس عند اليونان) ضد اليهود، إذ نجح في الحصول على موافقة الملك على التخلص من هذا الشعب الغريب، الذي لا يلتزم بقوانين المملكة، ولا يتمسك بشرائعها وعاداتها وشعائرها. وقد اكتشف "مردخاي" ابن عم إستير المؤامرة، ولم يكن يعرف أحد أنها قريبته، فدبرا معاً مؤامرة مضادة للإيقاع بهامان. ونجحت "إستير" بتأثير فتنتها وجمالها في أن تكسب الملك إلى صفها. ولكن الملك لم يكن بوسعه أن يتراجع عن الأمر الذي أصدره، فأصدر أمراً آخر بتسليح اليهود. ثم تبدأ المؤامرة فيقول "سفر إستير": "فلما رأى الملك إستير واقفة في الدار، نالت نعمة في عينيه فدنت إستير ... فقال الملك لها عند شرب الخمر: ما هو سؤالك فيُعطَى لك وما هي طلبتك، فأجابت إستير وقالت: إن سؤالي وطلبتي أن يأتي الملك وهامان إلى الوليمة التي أعملها لهما"، (إستير 5/2، 6-8). يَحضر الملك الوليمة ويشرب الخمر، وتخبره إستير بأنها تطلب رأس هامان، فيذهب الملك إلى حديقة القصر ليفكِّر. وحينما يعود إلى مجلس الشرب يُفاجأ بهامان متواقعاً على السرير الذي كانت إستير عليه... بيت" (إستير 7/8). وهكذا نجحت المؤامرة وينتهي الأمر بصلب هامان، وبعد ذلك أعطى الملك إذناً لليهود أن "يقتلوا ويقوموا بإبادة قوة كل شعب، حتى الأطفال والنساء، وأن يسلبوا غنيمتهم" (إستير 8/11). وفرح اليهود حتى إن كثيرين من شعوب الأرض تهودوا "لأن رعب اليهود وقع عليهم" (إستير 8/17). وأخذ اليهود في الانتقام يساعدهم في ذلك رؤساء البلدان "فضرب اليهود جميع أعدائهم ضربة سيف وقتل وهلاك، وعملوا بمبغضيهم ما أرادوا. وقتل اليهود... وأهلكوا خمسمائة رجل" (إستير 9/5-6) و"صلبوا بني هامان العشرة ثم قتلوا بعد ذلك ثلاثمائة رجل" (إستير 9/14- 15) ثم "خمسة وسبعين ألفاً" (إستير 9/16). ثم استراح اليهود وجعلوا اليوم الخامس عشر من الانتقام يوم فرح. والقصة- كما نرى- ليس لها أية أبعاد دينية، وقد لاحظ دارسو العهد القديم أنه يتسم بصيغته الدنيوية اللادينية إذ لم يأت فيه ذكر الإله بتاتاً، بل يُستعاض عنه بضمير الغائب "هو"، ولا إشارة فيه إلى أي مكان مقدَّس ولا إلى أية شعائر دينية (سوى الصوم)، بل هي خليط من الجنس والمؤامرة والتعصب القومي وكره الأغيار، فكل أحداثها منفصلة عن القيمة value free. ومن الغريب أن قصة "إستير" هذه أصبحت من أهم الأعياد الدينية (عيد النصيب). ولا ندري هل كانت مادونا تعرف كل هذا حينما قررت تغيير اسمها إلى إستير؟ وقد ظهرت مادونا وقد ارتدت "الطاليت" أي شال الصلاة، وهو رداء يشبه الملاءة مستطيل الشكل، والضلعان الأصغران للشال محلَّيان بالأهداب (تسيت تسيت). ولون "الطاليت" أبيض، ولكن هناك دائماً خطوطاً زُرقاً أو سُوداً في أطراف الشال (والأبيض والأزرق هما لونا عَلَم الدولة الصهيونية). ويرتدي اليهود الأرثوذكس "الطاليت" بصفة دائمة تحت ملابسهم، أما الإصلاحيون، فقد استغنوا عن شال الصلاة كلية، ولا يرتديه سوى الحاخام أو المرتل (حزَّان) أو المصلون الذين يُدعَون لقراءة التوراة. ولا يسمح للإناث بارتدائه، ولكن تحت تأثير حركة التمركز حول الأنثى (الفيمينزم)، تُصرّحُ كثير من الفرق اليهودية للنساء بارتداء شال الصلاة. كما بدأت نصيرات حركات التمركز حول الأنثى يستخدمن شيلاناً للصلاة ذات طابع أنثوي (لونها وردي ومزخرفة بالدانتيلا والشرائط). كما ظهرت مادونا وهي ترتدي تميمة الصلاة التي يقال لها "التفيلين" أثناء أدائها إحدى أغانيها، وهي عبارة عن صندوقين صغيرين من الجلد يحتويان على فقرات من التوراة، من بينها "الشماع" أو شهادة التوحيد عند اليهود كُتبت على رقائق. ويثبت الصندوقان على الجبهة بين العينين بسيور من الجلد تلف على الذراع اليسرى وعلى إصبع اليد. يمكننا الآن أن نطرح السؤال التالي: هل مادونا فعلاً يهودية؟ الإجابة بالإيجاب والنفي. وتنطوي هذه الإجابة على تناقض ظاهري، لكن هذا التناقض يتلاشى عندما يدرك القارئ أن مراحل حياة مادونا نفسها تتسم بالتناقض والتقلب والتحول، فهي في الأصل مسيحية كاثوليكية وكان يطلق عليها لقب الفتاة المادية Material Girl والتي تحولت بسرعة البرق إلى الأيقونة الجنسية erotic icon في العالم الغربي على وجه العموم وفي المجتمع الأميركي على وجه الخصوص. وتظهر مادونا في الوقت الحاضر في ثوب جديد، وهو ثوب "القبالاه" اليهودية، فهي ترتدي "تي. شيرت" في أحد عروضها الغنائية في كاليفورنيا عليه شعار "القبالاه هي الأفضل". وتأكيداً لتوجهها "اليهودي" الجديد، وعدت مادونا جمهورها بأنها لن تقيم الحفلاتِ الموسيقيةَ الغنائيةَ في يوم السبت اليهودي نظراً لقدسية هذا اليوم عند الجماعات اليهودية. وتدعي مادونا أنها تؤدي الطقوس والشعائر والصلوات اليهودية. وكما أسلفت ظهرت في إحدى أغانيها "Die Another Day" وهي ترتدي تميمة الصلاة (التيفيلين) ومن حولها يظهر على الشاشة بعض الأحرف العبرية. ووفقاً لتصور أتباع مذهب "القبالاه"، فإن الأحرف العبرية تخفي بداخلها قوة هائلة وخارقة، ويعتقد الكثيرون أن الأحرف والكلمات تحوي أسرار الخلق وفيها تكمن الطاقة التي خلق الله بها الكون. ويرى أتباع "القبالاه" أن الأحرف العبرية التي تظهر على الشاشة خلف مادونا، والتي يقابلها في الإنجليزية الأحرف L,A,V، تمثل أحد أسماء الله الاثنين وسبعين، كما أنها ترمز إلى تلاشي تمركز الأنا ego حول مبدأ اللذة. والله أعلم